مشكلات فلسفية
**العولمة Mondialisation**
مصطلح (عولمة) ترجمة عن المصطلح الفرنسيMondialisation) ) التي هي بدورها
ترجمة عن المصطلح الإنجليزي Globalisation ولهذا يفضل بعض الباحثين العرب
استخدام كلمة (كوننة) بدلاً من كلمة( عولمة). وبالرغم من عدم استقرار
مفهوم كلمة العولمة حتى اليوم فإنه من الممكن مبدئياً اقتراح التعريف
التالي لها: العولمة هي نظرية اقتصادية في المنطلق, سياسية واجتماعية و
ثقافية في النتــائج, تستهدف فتح الأسواق الاقتصادية وتطبيق سياسة السوق
في جميع بلدان العالم, وذلك بإلغاء الحماية والرسوم الجمركية, وإقرار حرية
تنقل رأس المال والبضائع والخدمات ودون أي قيود, وفتح الحدود الوطنية في
المجال السياسي, والترويج لثقافة نمطية عالمية واحدة).
ما آثار العولمـة ؟
*ا-أنصار العولمة / في الماضي كان الكبير يأكل الصغير,الآن فالسريع يأكل
البطيء. و من الباحثين من يرى أن العولمة قدر لا مرد له, وأنها ستصيب
الأمم والدول جميعها, ولا سبيل أمام تلك الدول إلا الخضوع والاستسلام.
ويعبر عن هذا الموقف بكل صراحة الكاتب الأميركي توم فريدمان الذي يقول
العولمة
أمر واقع, وعلى اللاعبين العالميين إما الانسجام معه واستيعابه أو الإصرار
على العيش في الماضي, وبالتالي خسارة كل شيء, وذلك لأن الخيارات باتت
اليوم أضيق منها في الزمن الماضي, وأصبح مما لابد منه القبول بالأمر
الواقع)و على الدول اللحاق بركب النمو قبل أن يفوتها, أو كما قال العالم
الأميركي (ليسترثرو)
إن عدم المشاركة في اختراع العجلة ليس أمراً مزعجاً, ولكن المزعج هو التأخر ولو لحظات عن استخدام العجلة بعد اختراعها)
و من ايجابيات العولمة احداث ثورة كبيرة في عالم التيكنولوجيا و
المعلوماتية و الاتصال ، فالعالم اليوم أصبح قرية صغيرة ، و اتساع دائرة
التكتلات الاقليمية و الدولية . تحرير التجارة والغاء الحدود و تفعيل
الشركات المتعددة الجنسيات ... تحرير التجارة و و تطوير وسائل الانتاج .و
وفرته كما و نوعا ، و تفعيل المنافسة و تشجيع الابداع ، اندماج الأمم و
الحضارات بعضها البعض و تبادل الخبرات ، لذلك اقترنت العولمة بالليبرالية
. ، فالامة التي ارتدت ثوب عالمي جديد و دخلت معركة التيكنولوجيا اصبحت
امة قوية و سائدة فرضت نفسها على الساحة العالمية ، اما الأمة التي قيدت
نفسها بماضيها و رفضت الانفتاح ضعفت وتلاشت ، فالتنافس الحضاري يقتضي
الانفتاح و الابداع اذ لا يقاس تقدم الامم بتقاليدها الموروثة ، و انما
يقاس بعلومها و تقنياتها وقوة اقتصادها .
النقد/ صحيح أن الاحتكاك بالغير من شروط التقدم و أن الامة التي لا تبدع
لا ترقى ، لكن الاستسلام لتيار العولمة يكون له تثير سلبي ، حيث يوقع
الامة في التبعية و التقليد الأعمى ، و يقضي على سيادتها و مقوماتها
الوطنية و التاريخية و يمحو ثقافتها الأصيلة ، كما أن التنوع الثقافي الذي
هو سنة الحياة و رحمة على الإنسان طوال تاريخه سيزول بالتدريج مع هيمنة
الثقافة الأحادية
* ب- خصوم العولمة /يرى هؤلاء أن العولمة هي نوع من الهيمنة الوحيدة
الاتجاه( الاتجاه الليبيرالي L Ibérisme ), وأن الاستكانة لها يعني قبول
الدولة الوطنية التنازل عن سيادتها وعن ثرواتها الوطنية وعن حقوقها
السياسية لفائدة (الجماعات الضاغطة) و(مراكز القوى العالمية) التي تتحكم
في عالمنا الجديد. و للعولمة سلبيات حيث تؤدي الى الانسلاخ عن القيم ، و
توسيع النشاط الاقتصادي غير الشرعي و استغلال العلم لأغراض تجارية لا
حضارية أو انسانية ، كما أدت عولمة الانتاج الى عجز الشركات الوطنية ،
أمام الشركات المتعددة الجنسيات العابرة للقارات و التي تعمل على نهب
خيرات الشعوب و القضاء على اقتصادها ومبادراتها المحلية ، كما جعلت
العولمة الدول الكبرى تتدخل في شؤون الدول النامية ، فأصبحت تملي عليها
سياسة اقتصادية و اجتماعية و ثقافية و تربوية معينة تكرس الهيمنة و
الاحتكار و تغذى مصالح القوى العظمى .فهم يرون فيها نظرية اقتصادية متطرفة
صاغتها الدول الكبرى للتحكم في اقتصاديات ومصائر الدول الصغرى, وهذه
الأخيرة ليست مضطرة للقبول بها,والدليل على ذلك أن هناك عدداً من الدول
التي رفضتها صراحة في العقدين الأخيرين ولم تتعرض- مع ذلك- لأية نكبة
اقتصادية أو اجتماعية.
النقد/ الهروب من الواقع و الانغلاق على الذات يؤدي حتما الى التقوقع و
التخلف الرهيب والحل ليس في محاربة العولمة ولا في مقاطعتها, لأن المقاطعة
قد تجر نتائج أخطر بكثير من تحمل آثار العولمة نفسها! وبالمقابل لابد لنا
من الانتباه الى المخاطر التي تجرها العولمة tفهي تشبه السيل الجارف الذي
لا بد له من أن يغمر جميع دول العالم في لجته, وليس من مصلحة أية دولة
السباحة ضد التيار فيه حيث يمكن لها الغرق أو النماء في المجهول ولا بد
لنا هنا من الاعتراف بأن للعولمة بعض الفوائد, وإن الحصول على مثل هذه
الفوائد مرهون بامتلاكنا للعلم, وخاصة فروع العلم الحديث في مجال
المعلوماتية والتقانة واللغات الأجنبية, لأن المستقبل رهن لمن يملك العلم,
ومن يسبق- ولو بيوم واحد- الى الاختراع المفيد والمناسب.
التركيب / العولمة ليست خيراً مطلقاً ولا شراً مطلقاً, لأنها تحوي في
طياتها عدداً من المحاسن والمساوئ معاً. ولهذا فإن أفضل موقف منها هو قبول
ما يناسبنا منها, ورفض ما يتنافى مع مصالحنا وسيادتنا وعقائدنا وثقافتنا
القومية.بهذه الطريقة نحافظ على التنوع الثقافي بوصفه تراثا مشتركا
للإنسانية* ( التنوع في اللغة و الديانة و المعتقدات و العادات و
التقاليد...) ومصدرا للتبادل والتجديد والإبداع، ، وينبغي الاعتراف به
والتأكيد عليه لصالح أجيال الحاضر والمستقبل.
نتيجة/ أدركنا أن العولمة سلاح ذو حدين ، لها ايجابيات كما لها سلبيات و
الأمة التي تعرف كيف تستفيد منها دون أن تمس بقيمها الأصيلة تكون أكثر قوة
من غيرها . اذن استمرار الامة يتطلب الانفتاح على العلوم و التيكنولوجيا
العالمية و توسيع مجال الابداع وتبادل الخبرات مع الغير ، مع تمجيد
الاخلاق و الثقافة الذاتية و احياء التراث الذي يميز شخصية الامة و يحفظ
هويتها .